~¤§¤~منتديات المبدع~¤§¤~
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
~¤§¤~منتديات المبدع~¤§¤~

°°~¤§¤~منتديات المبدع~¤§¤~°°
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 دموع على سفوح المجد - الفصل الرابع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
البرنس الفلسطيني
::المدير العام للمنتدى::
::المدير العام للمنتدى::
البرنس الفلسطيني


عدد الرسائل : 170
الاقامة : دولة الامارات العربيه المتحدة
تاريخ التسجيل : 16/06/2007

دموع على سفوح المجد - الفصل الرابع Empty
مُساهمةموضوع: دموع على سفوح المجد - الفصل الرابع   دموع على سفوح المجد - الفصل الرابع Emptyالخميس يونيو 21, 2007 11:17 am

الفصل الرابع
الليل ساج.. والهدوء يرمي بثقله على كل شئ، لا يقطعه إلا حفيف أوراق الشجر اليابسة، تحركها نسائم الخريف التي بدأت تتسلل إلى غرفة عصام، وقد فتح نافذتها، ليطرد رائحة المواد الكيماوية التي تراكمت في جوها، والتي كان يستعملها في تلوين بعض المحضرات الطبية حتى يتمكن من تمييز معالمها التشريحية الدقيقة تحت المجهر.
وجذبته رائحة الخريف، فتقدم من النافذة وراح يتأمل منظر الحديقة الكئيب، وقد تعرت أشجارها إلا شجرة من الورد ظلّت محتفظة بخضرتها الزاهية تتيه ببضع براعم جميلة قد انتصبت في خيلاء تتحدى البرد والريح، وتعطر الجو بأريجها الطيب...
وأغراه قربها بقطف أحد براعمها، فتطاول بجسمه، ومدّه إلى أقصى ما يستطيع، فالتقطت أنامله ساق البرعم، فعالجه محاولا قطفه، فانفصل عن أمه بصعوبة، بعد أن أدمت إحدى أشواكه إبهامه الأيمن.
ارتد عصام إلى الخلف، وراح يستنشق راحة البرعم الزكية.. لكم يفتنه منظر الورد.. إنه يبعث في نفسه سعادة غامرة ويحرك في صدره أشواقاً لا يدري كنهها.. أحياناً يحس وكأن الوجود قد
طوي في يمينه، لكن هذه اللحظات الجميلة سرعان ما تتسرب من نفسه، لتلح عليه همومه الكبرى.
وندت عن الجرح ومضة ألم خفيفة، فنظر إلى قطرة الدم التي تجمدت على فوهته، وقد مرّ بخاطره شريط سريع تخيل فيه كل التفاعلات الحيوية التي حدثت داخل هذه القطرة الصغيرة من الدم حتى تخثرت لتشكل سدادة دموية تمنع استمرار النزيف.
- ((سبحان الله))...
قالها عصام وهو يتجه إلى صيدليته ليعالج جرحه الصغير، ثم مضى إلى الغرفة المجاورة فصب كأساً من الماء وغرس فيه ساق البرعم، ووضعه على منضدته، ثم استرخى على كرسيه وراح يتأمل برعم الورد الذي تألق مزهوا بين أكداس من الكتب والأوراق.
وبعد لحظات من التأمل تناول عصام كراسة أنيقة تضم محاضرات الدكتور إياد، ليراجع محاضرة اليوم قبل أن ينام. لقد كانت محاضرة ممتعة حقاً، وأمتع ما فيها كلام الدكتور الذي في نفسه ينابيع الطموح، وفتح أمامه آفاقاً جديدة بلور من خلالها تطلعاته إلى المستقبل. إن الاهتمام بمرض السرطان يسيطر عليه... هذا المرض اللغز الذي يتحدى فضوله، ويدفعه لمنازلته بكل ما
أوتي من علم وعزم وتصميم. لقد استقرت في فكره قناعة ثابتة بأن طريقه إلى مجده الذي يحلم به، لا بد أن يمر على أشلاء هذا المرض الفتّاك!.
إن كلمات الدكتور إياد لا تزال تدوي في أعماقه...
- ((حقاً لماذا لا يفكر شبابنا وأطباؤنا أن يشاركوا في صنع حضارة اليوم بدلاً من استيرادها من الشرق والغرب. صحيح أنه يجب علينا تقبل كل جديد مفيد، لأن المعرفة ليست مقيدة بجنس أو قوم أو مذهب ولأنها تراث إنساني لكل البشر، لكننا في الوقت نفسه يجب ألا نلغي عقولنا ونجمدها ليفكر لنا الآخرون..)).
إن عصاماً يشعر الآن بأن اكتشاف علاج هذا المرض العضال بات أمانة في عنقه حملته إياها البشرية بأكملها:
(( - آه.. المشهد المأساوي الباكي يتكرر كل يوم.. مريض مصاب بالسرطان.. والسرطان ينمو ويكبر.. الآلام تشتد، والحياة تذوي في جسد المريض المسكين رويداً رويداً.. أما أعين أهله وأحبائه وأطبائه الذين لا يملكون له أكثر من المهدئات والمسكنات، وكلمات التبرير والمواساة التي تنضح بالعجز عن الإنقاذ.. كلمة هذه لكم أكرهها على الرغم من أنها أوضح من كل الحقائق التي توصل إليها الطب الحديث لكنها أقسى الحقائق
على الإطلاق!.. يجب أن نحاول.. لا بد من المحاولة حتى تتم السيطرة على هذا الداء))...
وأفاق عصام من خواطره مستجيباً لشحنة من النشاط التي دبت في عروقه فراح يقرأ المحاضرة بإمعان..
وانتبه على طرق خفيف على الباب:
- أمّاه!.. أما زلت ساهرة بعد؟!..
ثم ابتسم لأمه، التي أطلت بوجهها السمح وسمتها الهادئ، وهي تحمل فنجان الشاي وقد تصاعد منه بخار كثيف استثار شهيته.
قال عصام وهو يتناول فنجانه:
- أماه أنت دائماً تزعجين نفسك من أجلي. شكراً لك يا أحلى أم في الدنيا.. ما أريد إلا راحتك ورضاك..
هتفت الأم وهي ترفع إلى السماء كفَّين ضارعين:
- الله يرضى عليك يا ابني عدد أوراق الشجر وحبات المطر...
- ما أحلاه من دعاء.. سترين مني إن شاء الله كل ما يسرك...
- إن سروري لا يتم إلا بسرورك، وشئ آخر ستكتمل به
فرحتي..
هتف عصام وكأنه يجيب على ((حزُّورة)) طريفة:
- لقد حزرت.. التخرُّج؟... أليس كذلك؟..
قالت الأم وهي تلملم الكتب التي كانت مبعثرة فوق السرير:
- لستَ بالذي يحلم بالتخرج يا بني، فهو شئ مضمون إن شاء الله وما هي الَّا أشهر حتى تدخل تزف إليَّ البشرى بتخرجك، لكن ما أقصده هو بنت الحلال، هل فهمت الآن؟..
(( بنت الحلال.. آه.. لقد وضعت يدك على الجرح يا ماما!!)).
بذلك حدّث عصام نفسه بعد أن هزت أمه بكلماته أدق وتر في وجدانه ليعزف لحن الحرمان، وقفز إلى خياله طيف ((سامية)) فاضطرب فؤاده.. لكم تشده هذه الفتاة إليها بجمالها الوادع وشخصيتها القوية، وهي فوق ذلك ابنة الأستاذ الذي يحبه ويحترمه، ولا بد أن البنت قد ورثت عن أبيها الكثير من طباعه وأخلاقه النبيلة، غير أن ((سامية)) كانت قد دخلت قلبه منذ زمن بعيد..
حدث ذلك حين سمع طرفاً من حديثها مع صديقتها ((منى))
بعد إحدى الجلسات، فبعد أن خرج الطلبة من الجلسة العملية، اضطر عصام للعودة، ليتفقد قلمه، فاسترعى انتباهه حديث يدور بين فتاتين ولم تكن كلتاهما قد شعرتا بدخوله لوجود حواجز من الزجاج الأبيض الشفاف تفصل بين المناضد التي تُجرى عليها التجارب. وبعد أن يئس عصام من العثور على قلمه الضاع همّ بالخروج إلاَّ أن طرافة الحديث استوقفته، فأصاخ السمح بانتباه شديد...
كانت سامية تقول لصديقتها ((منى)) في حزم أوحى له بقوة شخصيتها:
- منى.. هل تريدين رأيي؟.. إن صفوان هذا يخدعك.. إن يستغل براءتك وطيبة قلبك ليغرر بك.. إنه يلعب بعواطفك يا عزيزتي، وستجدين أن كلماته زيف وعواطفه سراب في صحراء من الغش والنفاق..
قالت ((منى)) تدافع عن ((صفوان)) الذي استحوذ على قلبها وعقلها:
- سامية.. إنّك تظلمينه بهذا الكلا..
- أبداً لست بالتي تظلم الآخرين.
- لكنك تبالغين...
- بل هي الحقيقة بمرارتها أضعها بين يديك ما أريد بها إلا النصيحة أبذلها لك كصديقة...
- لكني أحبه...
- وما قيمة الحب إذا لم يوجهه العقل ويكبح جماحه؟!...
- وأثق به...
- ما الذي أوحى لك بهذه الثقة؟!..
- كلماته... نظراته... كل شئ ... كل شئ...
قالت سامية وقد نفذ صبرها:
- منى؟ هل أنت إلى هذا الحد من السذاجة بحيث تثقين بشاب لا تعرفين عنه أكثر من اسمه ولون بدلته و ((موديل)) سيارته... هل تصدقين؟.. لقد سمعت عنه كل ما يعيب.. فكيف ترضين بالذهاب إلى ((شقة)) شاب تدور حول سلوكه الشبهات بحجة الدراسة والمذاكرة؟
أجابت ((منى)) متهربة:
- الجو في بيتنا لا يساعدني على الدراسة.
- تعالي فذاكري عندي.. سأفتح لك بيتي وقلبي..
- لكني وعدته..
- اعتذري له..
- سيؤلمه اعتذاري..
قالت سامية في ثقة وهي تضغط على مخارج الحروف:
- بل سيتضاهر بالتألم لاعتذارك إمعاناً في استدراجك.
- هذا رأيك..
- لقد جردك هذا الفتى من إرادتك!..
- أنا واثقة بنفسي.
- أنت واثقة بعواطفك وأهوائك.. أما نفسك فسوف تخونك تحت إغراء الخلوة حيث تستيقظ الغرائز ويعربد الشيطان..
- أنا أقوى من الشيطان..
قالت سامية وقد أحس عصام أنها تتأهب للفراق:
- أتمنى ذلك من كل قلبي، ولكني أخشى أن يهزأ بمشاعرك ويستغل عواطفك ليحقق عن طريقها مآرب مريضة تسئ لسمعتك وتهدد مستقبلك.. وثمة حقيقة أخرى أود أن ألفت انتباهك إليها..
سألت ((منى)) في فتور ساخر:
- وهي ؟..
- هي أن والده من الأغنياء أصحاب النفوذ في البلد، وسوف يخرج ابنه من أي ورطة كانت كما تخرج الشعرة من العجين إن لم يكن من أجل ابنه فمن أجل سمعته ومركزه. لقد حذرتك يا عزيزتي فاحترسي من عواطفك أن تقودك إلى ما لا تحمد عقباه.. والآن وداعا...
عندما خرجت سامية رآها عصام فطبعت صورتها في قلبه.. لقد أعجب بمنطقها الواعي، وأخلاقها الرفيعه، وحرصها على الآخرين، ولما رآها ازداد إعجابه بهذه الفتاة التي جمعت في شخصيتها الكثير من الصفات الرائعة العظيمة..
وألح عليه الفضول فسأل عنها –ولم يكن يعرفها آنذاك- فأجيب: (( أن هذه الفتاة تدعى ((سامية إياد عزت)) وهي ابنة الدكتور ((إياد عزت)) رئيس قسم ((التشريح المرضي)) في الكلية وعندما تعرف على الدكتور ((إياد)) من خلال محاضراته الشيقة وأحاديثه العميقة أعجب بشخصيته الفذة، ورأى فيه مثالاً يحتذى، فاندفع للاهتمام بسامية أكثر، والتفكير بها كزوجة وشريكة حياة.
إن حبه الطاهر ينمو ويكبر مع الأيام، لكنه يكتمه عن الآخرين لأنه يؤمن بأن المكان الطبيعي لهذه العاطفة الفطرية النبيلة لا يكون إلا في ظلال الزواج وهو لا يفكر بالإقدام على هذه الخطوة قبل التخرج، وتندّ عن القلب آهات فيخفيها عن أمه، وهي المسكينة التي قسم لها القدر من الهموم ما يكفيها منذ أن فجعت بزوجها الفقيد.
وأيقظ عصاماً من شروده صوت كتاب سقط على الأرض من بين مجموعة الكتب، كانت تحملها أمه لتعيدها إلى مكانها في المكتبة..
- أماه.. أرجوك لا تتعبي نفسك بترتيب المكتبة، بودي لو تنامين.
قالت الأم مازحة وهي ترمي ابنها بنظرات تصنعت فيها العتاب:
- هل مللت مني؟
هتف عصام وقد تملكه شعور بالذنب:
- معاذ الله.. ما أريد إلا راحتك، فأنت لا تفترين عن الحركة طوال النهار.
- هل سمعت بإنسان ينام وعيناه ساهرتان؟!.. أنت عيناي اللتان أبصر بهما فلا أستطيع النوم حتى أطمئن عليك، ولن أترك هذه العادى حتى أزفك إلى عروسك.
قال عصام وهو يستسلم أمام عناد أمه:
- من أجل عينيك يا ((ماما)) سأترك كل شئ بين يديّ لأنام.
- خذ راحتك يا بني، وأنهِ عملك كما تراه مناسباً ريثما أغسل بعض الأواني ثم أنام. تصبح على خير..
- وأنت من أهله.
عندما نام عصام كان طيف أمه وطيف سامية آخر ما ودع من أطياف الحياة.
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دموع على سفوح المجد - الفصل الرابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دموع على سفوح المجد - الفصل الأول
» دموع على سفوح المجد - الفصل الثاني
» دموع على سفوح المجد - الفصل الثالث
» دموع على سفوح المجد - الفصل الخامس
» دموع على سفوح المجد - الفصل الأخير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
~¤§¤~منتديات المبدع~¤§¤~ :: قسم القصص والروايات-
انتقل الى: