تتعرض قضية حجاب المرأة لإشكالية بين المظهر والجوهر، فهل يكفي القول برأيكم إن شعر المرأة "عورة"، واستناداً لذلك، هل يحق للمرأة المسلمة عندما تصبح في عمر الشيخوخة أن تنـزع حجابها، كونه لا يعود يشكل عورة؟
ـ هناك نقطة لا بدّ لنا من أن ندرسها في هذا المجال، وهي تتعلق بالمنهج، هناك أسلوب التجزيئية الذي يحاول أن يجزّىء الشيء فينظر إلى جزء منه بعيداً عن الجزء الآخر.
وهناك نظرة إجمالية تنظر في موقع كل جزء من الجزء الآخر، وبالتالي موقع الأجزاء من الكل.
نحن لا نريد أن نحدّق في مسألة الشعر أو في مسألة الذراعين أو أي شيء بالنسبة للمرأة، نحن نريد أن ننطلق من فكرة أساسية وقاعدة رئيسية، وهي قاعدة الانضباط في علاقة الرجل والمرأة ببعضهما البعض، بحيث نبعد الرجل والمرأة عن أي عنصر من عناصر الإثارة بالمستوى الذي يمكن أن يقود إلى الانحراف بنسبة وبأخرى، فهذا هو الخط العام للمسألة، وباعتبار أن المرأة في مدى التاريخ، كانت هي رمز الإثارة للرجل فنحن لا نستطيع أن نقول إن المرأة وحدها رمز الإثارة، بل إن الرجل قد يكون أيضاً رمزاً للإثارة، ولكن تربية المرأة في التاريخ من جهة، وكون المرأة هي العنصر المنفعل وليس العنصر الفاعل، هو الذي جعل من المرأة رمزاً للإثارة، ولم يجعل من الرجل رمزاً لها. وهناك نقطة أخرى قد يتحدث عنها العلماء الذين يثيرون مثل هذه المسائل، وهي أن عنصر الإثارة لدى المرأة أبطأ من عنصر الإثارة لدى الرجل.. فالرجل عندما يُثار قد يتحرك بطريقة سريعة، بينما المرأة لا تتحرك بطريقة سريعة، باعتبار أن العنصر الغريزي لدى المرأة لا يخلو من التعقيد، بينما العنصر لدى الرجل ليس معقّداً، ومن هنا تنشأ الكثير من المشاكل الزوجية وغيرها.
ولقد أراد الإسلام للمرأة أن تتحجّب على أساس أن تظهر في المجتمع كإنسانة لا كأنثى؛ كإنسانة في مواجهة إنسان، لا كأنثى في مواجهة ذكر، وذلك بابتعادها عن كشف المناطق التي يمكن أن تكون عنصراً من عناصر الإثارة ولو بشكل عام.
ولا نستطيع أن نحدّق بهذه المسألة أولاً، لأننا عندما نريد أن نضع القانون، فإننا نضع القانون بشكل عام، ولذا المرأة القبيحة مثلاً يجب أن تتستر تماماً كالمرأة الجميلة من دون فرق، المرأة التي يكون شعرها بطريقة معينة عليها أن تتحجب كما المرأة التي يكون شعرها بطريقة سلبية تثير القرف والاشمئزاز مثلاً، لأن المسألة تدخل في نطاق القانون العام. ولا بد أن توضع في الخط العام، فلا تلاحظ من خلال نقاطها المتفرقة فقط، لهذا كانت دعوة الإسلام إلى حجاب المرأة. ومن جهة ثانية، لا بد أن نشير إلى أن كلمة "العورة" كلمة ربما كان يهضمها المجتمع سابقاً، لكن الآن لا أعتقد أن من الضروري أن تقال، لأن المقصود من "العورة" هو ما يُستر. {يقولون إن بيوتنا عورة} [الأحزاب:13] أي مكشوفة ليس هناك ما يسترها.
لذلك نقول إن الإسلام قد فرض الحجاب على هذا الأساس، وربما يرد القول بأن المرأة الكبيرة ليست عنصراً مثيراً، لكن المسألة هي وضع التشريع في الخطوط العامة.
وإذا أردنا أن ندخل في بعض التفاصيل، فإننا نجد أن الفرق بين "الحجابيين" و"السفوريين" إنما هو في قطع الثياب، والكل يقول بالحجاب، ومن لا يقول بالعري يقول بالحجاب. ولكن المسألة أن هناك من يجعل قطع الحجاب ست قطع وآخر أربع قطع، وهكذا نحن نقول إننا إذا أردنا أن ننتقد الحجاب في منطقتين ونلتزم بالحجاب في مناطق أخرى، فنحن نتساءل: لماذا؟ إذا كنا نقول إن بعض المناطق تمثل رمزاً جنسياً، فيمكن لكل منطقة من المناطق أن تكون ولو بنسبة معينة رمزاً للجنس.
لذلك فهناك أعتقاد بأن هذا الجدل بين الحجابيين والسفوريين هو جدل ليس في المبدأ، ولكنه جدل في التفاصيل، ونحن عندما نؤمن بالمبدأ، فالتفاصيل لا تبقى مشكلة في هذا المجال، لأن الذي يلتزم بالمبدأ عليه أن يلتزم بالتفاصيل. وعليه، فمن يلتزم بمسألة أن على المرأة أن تحجب صدرها، أن يلتزم بأن تحجب شعرها، لأنه ليس هناك فرق بينهما، وإن كان هناك فرق فلا يكون الفرق كبيراً، ربما لو صار هناك حالة من الحالات التي اعتيد فيها كشف المرأة لصدرها مثلاً، يمكن أن يكون تأثيره مثل تأثير الشعر كما يدعي البعض.
لذلك نقول أنه عندما لا نؤمن بالعري علينا عند ذلك أن ندرس فلسفة الحجاب، فكما نؤكد فلسفة الحجاب في بعض الجوانب، علينا أن نؤكد فلسفة الحجاب في المواقع الأخرى...